حفله في الشارع
"مسكين رئيس وزاء كندا!"
كانت هذه أول خاطره تخطر في بالي عندما شاهدت الأخبارعلي التلفزيون لأول مره بعد هجرتي إلي كندا. الأخبار أعلنت عن مظاهره قامت للإحتجاج علي سياسه ما لرئس الوزراء. لا أتذكر ما هيه السياسه التي أغضبت الجمهور ولا أتذكر إسم المكان الذي قامت فيه المظاهره ولاكني أتذكر جيدا منظر رئيس الوزاء السابق "براين ماروني" وهو يحاول المرور مع زوجته في طريقهم للمسرح وقد تجمع حولهم المتظاهرين صائحين بالمسبات والكلام البذيئ وبعد فتره تدافع الجمهور وإبتدأ الناس في رمي القمامه علي رئيس الوزاء وهم يصيحون بكلمات الشجب المتنوعه. في تلك اللحظه بان القلق على وجوه الشرطه الملازمه لرئيس الوزاء وكأنهم قلقوا أن تنتهي الليله بوقوع أذي بدني لقائد دولتنا أو أن يقع أذي بدني لزوجته. تجمعت الشرطه حول رئيس الوزاء وزوجته و إستطاعوا أن يدخلوهم داخل المسرح بسرعه مذهله. لازلت أتذكر منظر زوجة رئيس الوزاء وهي واقفه بين الجمهور بفستان جميل إستعداداً لأمسيه في المسرح. وأتذكر جيداً كيف وضعت يديها علي رأسها عندما إبتدأت القمامه تنهال عليها من السماء وكأنها تحاول أن تحمي نفسها من الأوساخ والضرر. كانت هناك نظرة ذعر في عينيها وكأنها تستنجد بأن ينقذها إنسان ما من هذا الموقف.
أها.....إذاً هذه هى الديمقراطيه و حريه التعبير عن الرأي ! بالنسبه لي كانت فكرة أن تقف في الشارع و تصيح بأعلي صوتك أنك ضد الرئيس فكره غريبه, لم تخطر لي علي البال أبداً. ولاكن ما اثار دهشتي أكثر هو أنه لم يقع إعتقال أي من المتظاهرين. شيئ غريب جداً....الرئيس يهان بشكل واضح ولا يتم أي عقاب علي ذالك. كيف يستطيع المسكين أن يقود الدوله عندما يهان في الشارع بتلك الطريقه؟.....وإذا يعامل الشعب الكندي رئيس وزراء منتخب من الشعب بهذا المنوال .... فكيف يتصرفون لو جائهم دكتاتور من الذين ألِفتهم في الشرق الأوسط؟
بالرغم من سذاجتي و بالرغم من قلة خبرتي في مجال حرية التعبير عن الرأي نتيجة التربيه العربيه الصالحه, لم أدع ذالك يقف في طريقي. مثل الطفل الصغير الذي يكتشف الشوكلاته لأول مره فيلتهم دكان الشوكلاته كله نتيجه الشعور بالحرمان.....كذالك محسوبتكم إيهاث......ما أن أفقت من الصدمه الأوليه حتي هممت بإستخدام حريتي الجديده بكل مناسبه وحتي من غير مناسبه.
فكت أشارك في الكثير الكثير من المظاهرات. نتظاهر ضد الإمبرياليه و ضد الرأس ماليه وضد أمريكا وضد إسرائيل. كنا نتظاهر أمام السفاره الأمريكيه ,عندما نمل من ذالك نتظاهر أمام القنصليه الإسرائيليه , وعندما نمل ذالك نعمل مسيره في الشوارع و نرفع الرايات و نوقف المرور في مركز البلد. في إحدي تلك المسيرات علق والدي "هذه ليست مظاهره......هذه حفله في الشارع". كان يعلق علي الأغاني و الرقص و المطربين المتنوعين المنظمين للمظاهره. "في أيامي كانت المظاهره تعني طلق ناري, شرطه و إ عتقال وسجن". كان والدي يتذكر أيام نشاطه السياسي في شبابه في العراق. كان ذالك في أيام الخير عندما كانوا الناس لازلت عندهم الجرأه علي النشاط السياسي في العراق ما قبل البعثيين. ذكر لي والدي أنه في ذالك الوقت لم يكن يخاف السجن والإعتقال كما كان يخاف والده عندما يأتي للإفراج عنه من السجن. "ما كنا نصل البيت حتي يبدأ الضرب من والدي لأنه كان معارض لنشاطي السياسي" ....بعض من ذكريات والدي القديمه.
هذه صوره من "حفله في الشارع" كما يسميها والدي في مركز مدينة فانكوفر. أنا الثانيه من جهة اليمين.

أما عني فلم أواجه أي ضرب....لا من الشرطه ولا من والد.
وعندما نمل القظايا العربيه كنا نتظاهر تظامناً مع السكان الأصليين في كندا – الهنود الحمر—وعندما نمل ذالك نتظاهر تظامنا مع الطباقات الفقيره في المجتمع وحقوق الاجئين و غيرهم.
آه...نسيت أن أذكر الخطابات السياسيه....فهذا هو الجزء الأهم....يا سلام ....كنا نشتم رئيس الوزاء و الحكومه. ونطالب الحكومه بأن تقطع علاقتها الدبلوماسيه و التجاريه مع إسرائيل. وهذا غير المناشير التي كنا نطبعها و ننشرها علي الجمهور. ونأتي بالكلمات الرنانه ونتكلم عن التفكير الثوري وبناء عالم جديد....ونحلم أحلام كبيره. وعندما يخلص الكلام نحي نضال الشعب الأرجنتيني والشعب التشيلي وكمان الشعب البوليفي.....ليش لأ؟.....ما الشعب البوليفي حلو كمان. يا سلام ما أحلي حرية التعبير عن الرأي. أصبحت أعبر عن رأي في كل موضوع.....ما عدا موضوع واحد.
حتي في كندا كنت أخاف من أي إنتقاد علني لصدام أو حزب البعث. الفتاة الثوريه كانت تتحول إلي دجاجه خائفه مرتعشه. فلم أكن أريد أن أكون السبب في إلحاق الضرر بعائلتي الساكنه في العراق وكذالك كنت أسمع بالإشاعات عن محاولات الإغتيال للناشطين ظد النظام حتي في الخارج.
مسكين رئيس وزاء كندا. أحيانا يهيأ لي أنه لا بد أن يتململ من حريه الرأي هذه. ألا يقول في نفسه "هسه أنا لو قائد في الشرق الأوسط....لكنت رميت إيهاث و شلتها في السجن. وبعد كف أو كفين كل واحد يتربي ينطم و يسكت....بتشاطروا علي لأني مسكين ومنتخب من الشعب, بس علي الديكتاتور بيسكتوا. يلعن أبو الديموقراطيه. آخ لو أنا في دوله عربيه.....كان ورجيتهم"