خاص لموقع إيهاث: قصة منيرة
قصة منيرة
بقلم الدكتورة هدى المهدي*
فجأة جف حبرقلمي , ربما قد يكون احس بحيرتي عندما هممت في استرجاع قصة منيرة ذات السبعة عشر ربيعاً لأسردها كالقصة ، فهي ليس بقصة , انها رواية طويله ليس لها حبكة و انما تسلسل مؤلم من المعاناة التي كابدتها بطلة قصتنا اليوم - منيرة - , تحكي لنا قصتها شقيقتها الكبرى (رجاء) التي ضربت لنا مثالاً للصبر و التضحية و الإيثار.
بدأت معاناة منيرة عندما كانت في الشهر الرابع من العمر عندما داهمتها نوبة تشنج شديدة اصابت من حولها بالفزع , ففجأةً و دون سابق انذار شحب لونها و اغمي عليها و صمتت عن البكاء , هرعت (رجاء) بها الى المستشفى و ادخلت بصفة عاجلة و اجريت لها التحاليل و الاشعات اللازمة و التي لم تظهر اي شيءغير طبيعي ما عدا تخطيط المخ الذي اوضح اصابتها بالصرع و بدأت العلاج بالأدوية المضادة للتشنجات و التي لم تكن ذات فائدة حيث ان منيرة كانت تعاني من تكرار التشنجات مما اثر تأثيراً كبيراً على سلوكها و صحتها العامة . و عندما بلغت منيرة عامها الثاني لم تكن كسائر الاطفال , فكانت شديدة البكاء و حادة الطباع مما جعل اهلها في حيرة من امرها , فصاروا يرتادون المستشفيات خارج البحرين بحثاً عن حل , حتى ان توصلوا لمعرفة سبب تلك المشكلة وهي كيس خلقي في الدماغ يحتل جزءاً من المخ, وهو كيس خلقي لا تصلح معه الجراحه فعادوا ادراجهم وهم ما زالوا يأملون ان يجدوا حلاً للعلة التي حلت بابنتهم.
كبرت منيرة و ثبت ان لديها تخلفاً عقلياً بسيطاً و كان لابد لها ان تتعلم , و تلقتها احدى المدرسات و التي اهتمت بها كثيراً و اصبحت منيرة تحبها و تتفاعل معها بإيجابية حتى تركت المدرسة المعهد و اعطت المهمة لمدرسة اخرى , و هنا بدأت منيرة بالتدهور اكاديمياً و سلوكياً و صحيا ًايضاً , وبدأت معاناة اهلها مع المعهد الذي رفض وجود منيرة معهم كونها أصبحت عدوانية ولم تستطع التأقلم مع من حولها في المعهد و حولت الى الطب النفسي و مكثت هناك قرابة الثلاث اعوام لم تتحسن خلالها بل صارت تكبر و تكبر معها مشاكلها السلوكية و تنقلت من مكان لآخر , و لم تكان حالتها الصحية تتحسن بل في تدهورٍ مستمر,وسردت لنا رجاء قصصا قد يتخيل المستمع لها بأنها لا توجد الا في الأفلام السنمائية..وصفت لنا رجاء كيف أنهم عندما قرروا عرض منيرة على طبيب في الأردن,كان من الصعب أقناع منيرة أن تركب الطائرة فقاموا الطبيب المسؤول بحقنها بمادة مهدئة كي يسهل لذويها نقلها بالطائرة ولكن ,وبتعجب الجميع ولسبب ما,صار مفعول الدواء عكسيا وهجت منيرة عند دخولها الطائرة وسببت رعبا وفوضى بين الركاب مما حدى بقائد الطائرة أن يطرد منيرة وذويها ورفض الاقلاع مادامت منيرة على متن الطائرة..ولكن بعد تدخل المسؤولين ولحسن الحظ هدأت منيرة وغادروا الى الأردن بسلام..وهناك واجهتهم المشكلة ذاتها في الفندق,اذ رفضوا ستقبالها كونها مصدر قلق لمن حولها, الى أن ساقت الأقدار أمرأة طيبة أخذتهم الى منزلها ليبتوا الليلة لحين عرضها للطبيب..وبعد هذا العناء..أجزم الطبيب أن حالتها ليس لها علاج ناجع وأن من الأفضل لهم أن يعودوا أدراجهم ويتقبلوا الواقع المرير.
وقتها قررت الأسرة ان تبقى منيرة في البيت فهو المكان الوحيد الذي يمكن لمنيرة ان تنعم فيه بالأمان ، ولكن الى متى ستحرم منيرة من حقها في التأهيل.. قد لا يكون التأهيل معضلة بالنسبة للأهل فبإمكانهم تدريسها او احضار من يقوم بتلك المهمة و لكن علاجها من التشنج ؟ هذه هي المشكلة العظمى فالأدوية لم تجدي نفعاً عدا دواء واحد هوالذي لا يصرفه الا الأطباءالمختصون و لكن ثمنه يفوق المقدرة المادية لذوي منيرة , و العجيب في الامر ان وزارة الصحة في مملكة البحرين توفره ولكن الطبيب المعالج لحالة منيرة يرفض كتابته بزعم ان هناك بدائل فماذا عساهم ان يفعلوا؟
تبلغ منيرة الأن السابعة عشر من العمر,وحالتها تزداد سوءا.. تهاتفني رجاء كل يوم وهى لا تقوى على الكلام تريد أن أجد لها حلا..وأنا محتارة ولا أدري ماذا أفعل!
قد تبدو القصة مؤثرة للغاية ..وهي كذلك بالفعل ولكن من يبحث أكثر في الواقع التي عاشته منيرة تجد أن هناك خللا ما..وبالفعل فالأسرة تتحمل الكثير من المسؤولية في تدهور حالة منيرة,فقد علمت من المصادر التي لجأت اليها لمساعدة منيرة بأن الأهل لم يكونوا متعاونين وأنهم لطالما انتقدوا جميع الخدمات التي كانت تقدم لمنيرة وأنهم هم الذين يخرجونها من المعهد تارة ويعيدونها تارة أخرى,فجهلهم وعدم تقبلهم لواقع أعاقة منيرة لم يساعدها في أي شئ بل هو الذي جعلها تصل الى ما هي عليه.
يبقى السؤال: ماذا عسى مجموعة الدعم أن تقدم لأفراد لم يدعوا المجال للدعم أنفا؟؟هذا ما لا أعرف جوابه الى الأن في ظل رفض المعهد اعادتها اليه مرة أخرى!!
* أخصائية طب العائلة – رئيسة مجموعة الدعم النفسي و المعنوي بالجمعية البحرينية لأولياء أمور المعاقين و أصدقائهم .